بعد جدل طويل أقر علماء اقتصاد إسلامي عدم مشروعية «التورق» كأحد المنتجات التمويلية للبنوك الإسلامية، مستندين إلى سوء تطبيقات البنوك الإسلامية والتقليدية التي تقدم منتجات تتوافق مع الشريعة له.
وكشف لـ«الشرق الأوسط» الدكتور حسين حامد حسان رئيس الهيئة الشرعية لبنك دبي الإسلامي وعضو العديد من المجالس والمجامع الاقتصادية الإسلامية، إن فقهاء العصر أقروا بالإجماع قبل أيام عدم مشروعية «التورق» وأن تطبيقاته في البنوك لم تكن دقيقة، وشابها بعض الشبهات التي دفعت العلماء إلى الإجماع على تحريم «التورق المنظم».
ويعرّف «التورق» بشراء العميل طالب السيولة سلعة بثمن مقسط مؤجل من البنك، ثم بعد ذلك يبيع السلعة، ويقضي بثمنها الحاجة التي أراد من أجلها المال، وهو من الأدوات المالية التمويلية التي شهدت جدلا واسعا بين عدد من الفقهاء في العالم الإسلامي. وذكر الدكتور حسان على هامش ندوة البركة الثامنة والعشرين للاقتصاد الإسلامي التي اختتمت أعمالها الأسبوع الماضي، أن سبب تحريم التورق يعود إلى أنه لا يحتمل الخسارة التي ينطلق منها الاقتصاد الإسلامي في تحمل نسب المخاطرة والخسارة، مؤكدا أن هذا الإجماع على التحريم يدعمه قرار من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية صدر قبل أيام.
وبين حسان أن البيع فيه مخاطر في الخسارة وأن «الشريعة تؤكد أن الغرم بالغرم»، والله تعالى قال (أحل الله البيع وحرم الربا)، مشيرا إلى أن البنوك الإسلامية يجب أن تتجه إلى البدائل الكثيرة وتمويل رأس المال العامل الذي يستفيد منه الاقتصاد الإسلامي بشكل عام.
وأبان رئيس الهيئة الشرعية لبنك دبي الإسلامي أن ما تطرحه بعض البنوك الإسلامية أو التقليدية ولديها فروع في المصرفية الإسلامية حاليا مخالفة صريحة. وزاد أن «التورق انتهى، ومن يأتي يقول إن التورق الموجود إسلامي نقول له (لا)، ليس هناك فقيه قط يوافق على هذا».
ويدعم حديث الدكتور حامد حسين دراسة علمية كشفت عن مخالفات وتجاوزات في تطبيق الأدوات الاستثمارية في سوق الأوراق المالية السعودية، وتحديدا في «التورق».
وتوصلت الدراسة التي ناقشت «مدى شرعية الأدوات الاستثمارية في سوق الأوراق المالية السعودية» والتي أعدها معهد البحوث والخدمات الاستشارية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن فريق الدراسة وجد أن الوسيلة المتاحة حاليا في البنوك هي «التورق الإسلامي في المعادن». وقالت الدراسة التي كانت «الشرق الأوسط» قد نشرتها في وقت سابق، إن تطبيقات «التورق» في كثير من البنوك لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية، على الرغم من وجود هيئات ومستشارين شرعيين فيها، نظراً لعدم وجود هيئة للرقابة على الممارسات الفعلية للعمليات المقرة من اللجنة الشرعية بالبنوك المحلية. ويشهد «التورق» معارضة من البعض ومنهم مجمع الفقه الإسلامي الذي حرمه، وهو «أن يقوم على شراء البنك كمية من السلع من السوق الدولية ثم بيعها بالأجل على عملائه الذين يوكلون البنك ببيعها مرة أخرى على غير بائعها الأول نقدا وإضافة القيمة لحساباتهم طرف البنك». كما أيد قرار مجمع الفقه الإسلامي تأييد آخر من قبل علماء معاصرين آخرين اعترضوا على «التورق المصرفي المنظم»، ومنهم الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور صديق الضرير، والدكتور حسين حامد حسان، والشيخ صالح عبد الله كامل، والدكتور صالح الحصين، والدكتور مختار السلامي وغيرهم. وتبرز دائما قضية جدوى فتوى الهيئات الشرعية في البنوك لمنتج «التورق» في الوقت الذي تدور شبهات وشكوك حول مدى جدية والتزام البنوك نفسها بما أجازته الهيئات الشرعية، خاصة أن مفهوم واستيعاب المصرفية الإسلامية غير واضح ومفهوم من قبل كثير من العاملين في البنوك التي تقدم خدمات مصرفية إسلامية، وندرة المتخصصين في هذا المجال. وكان الشيخ سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء السعودية وأحد أبرز الشخصيات العاملة في الهيئات الشرعية في معظم البنوك السعودية والدولية، والذي كان حاضرا في ندوة البركة الأخيرة، قد نبه في أحد حواراته مع «الشرق الأوسط» بأنه «لا يجوز في عملية التورق أن يبيع العميل البضاعة على البنك، بل ينبغي أن يبيعها على طرف ثالث، لأنه لو باعها على البنك صار من بيع الرنة، وبيوع الرنة هي حيلة من الحيل الموصلة إلى الربا، وفي نفس الأمر ينبغي أن تكون السلعة التي يشتريها العميل معلومة إما بالصفة أو بالرؤية». ويستند المنيع في تنبيهه إلى أن السلع التي تشترى من الأسواق الدولية مثل أسواق هولندا أو انجلترا أو نيويورك، وتعتبر من السلع المجهولة لأن المشتري لا يعرف أي نوع من المعادن هي، ولا كميتها، وإنما يقوم بتوكيل البنك الذي باع له البضاعة، من دون أن يعلم نوعية المعادن التي اشتراها. وأمام الضغوط التي تواجهها الهيئات الشرعية من قبل كثير من العملاء، لجأت البنوك نفسها إلى استخدام «التورق» في السلع المحلية في نفس الدول عن طريق إبرام اتفاقيات مع شركات ومصانع الحديد أو مع أحد مستوردي الحديد والصلب، غير أن واقع الحال في التطبيق الفعلي يؤكد أن معظم العملاء لا يسألون عن السلع التي اشتراها ولا أين مكانها. ويتم تطبيق «التورق» في عدد من البنوك بهدف توفير السيولة النقدية لشريحة مهمة من عملاء المصارف من خلال أداة تمويلية إسلامية من دون تعريضهم لخسائر مالية كبيرة. ويتمثل تطبيق منتج «التورق» في المصارف الإسلامية من خلال شراء البنك كمية من السلع التي تتسم بالثبات النسبي في أسعارها والتي يمكن ضبطها ووصفها للعميل بما ينفي الجهالة. وقد يتم شراء هذه السلع من السوق الدولية عبر وسطاء للبنك وترتيبات مع أطرف مختلفة أو يتم الشراء من السوق المحلية، ومن ثم يتقدم العميل بطلب لشراء كمية من هذه السلع المملوكة للبنك على أن يسدد ثمنها على عدد أقساط شهرية أو سنوية أو حسب الاتفاق بينهما. وبعد دراسة طلب العميل وموافقته يتم التوقيع على عقد بيع آجل أو مرابحة بين البنك والعميل، ثم يتملك العميل السلعة وله الحق في قبضها والتصرف بها أو بيعها. ويوكل العميل عادة البنك ببيع هذه السلعة لحسابه نقدا وإيداع ثمنها في حسابه، بشرط أن يتم البيع على طرف ثالث خلاف الطرف الذي سبق أن اشترى منه البنك هذه السلعة، وفي بعض البنوك يوكل العميل المورد ببيع السلعة نيابة عنه وتحويل قيمتها إلى حسابه طرف البنك، على ألا يضمن البنك للعميل بيع السلعة بثمن معين في السوق، ولكن يبيعها بأفضل سعر حسب ظروف العرض والطلب وقت البيع. وحول بدائل «التورق» بعد الإجماع على تحريمه، أكد الدكتور حسين أن البنوك تستطيع الاستفادة من البدائل الكثيرة المتوافرة في فقه المعاملات، مثل منتج (السلم) الذي يدخل فيه البنوك كشريك في عملية المضاربة وبنسب مخاطرة وربح، مشيرا إلى أن مقاصد الشريعة متعددة وكثيرة في هذا المجال.
الآن تستطيع الاقتراض عن طريق (السلم) أي تأخذ مال عامل أي تنتمج وعندك دراسة سوقية. وفيما يتعلق بالاستثمار في الشريعة وتقديم الخدمات المالية والاستشارية، أوضح الدكتور حسين حامد أنه تم افتتاح في شركة دار الشريعة في دبي ويديرها بنفسه، ومن مهامها العمل على هيكلة التمويل والمستندات التمويلية ومنتجات جديدة والتدريب والبحوث، مبينا أنهم جمع كافة الخبرات المالية والقانونية والشرعية في مكان واحد بهدف تقديم خدمة شاملة لأي عميل من مكان واحد.